رصد - أعلن المركز الوطني لحقوق الإنسان عن بدء تنفيذ آليات عملية لدراسة الأثر التشريعي لقانون الجرائم الإلكترونية رقم 17 لسنة 2023، وذلك خلال جلسة نقاشية موسعة عقدها المركز بحضور ممثلين عن السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، إضافة إلى خبراء، وأكاديميين، وإعلاميين، وممثلي المجتمع المدني، وأعضاء مجلس أمناء المركز.
وأكد المركز، في الجلسة التي تأتي ضمن نهجه التشاركي، أنه سيعتمد على عدة أدوات في دراسة القانون وآثاره، استنادًا إلى قانونه رقم 51 لسنة 2006. وتشمل هذه الأدوات: استقبال ورصد الشكاوى وتحليلها، متابعة التفسير القضائي لأحكام القانون، عقد جلسات حوارية، وصولًا إلى إعداد تقرير متخصص يقدم توصيات واضحة تضمن بيئة تشريعية متوازنة تحترم المعايير الحقوقية الدولية.
تابع المركز الوطني لحقوق الإنسان منذ المراحل الأولى مسار تشريع قانون الجرائم الإلكترونية رقم (17) لسنة 2023، مؤكدًا على أهمية وجود إطار قانوني ينظم الفضاء الرقمي ويواكب تطور الجرائم الإلكترونية، شريطة أن ينسجم هذا الإطار مع المبادئ الدستورية والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وفي هذا السياق، انخرط المركز بشكل إيجابي في الحوار العام حول مشروع القانون خلال مراحله الأولى، حيث أجرى دراسة شاملة لأبعاده الدستورية والحقوقية، وأصدر بيانًا يعكس موقفه القانوني والحقوقي من نصوصه. كما عقد لقاءات مع اللجنة القانونية في مجلس النواب، قدّم خلالها ملاحظاته ومقترحاته بشأن المشروع.
يهدف قانون الجرائم الإلكترونية بشكل أساسي إلى تنظيم الفضاء الرقمي، وتقنين الأفعال الجرمية التي تُرتكب عبر الأنظمة المعلوماتية أو تستهدفها. وقد جاء القانون الأردني رقم (17) لسنة 2023 منسجمًا مع هذا التوجه، متضمنًا تعديلات ونصوصًا جديدة تعزز من الحماية القانونية في البيئة الرقمية.
أولًا: النصوص المستحدثة لتعزيز الحماية الرقمية
تضمّن القانون مجموعة من المواد المستحدثة التي لم تثر إشكاليات جوهرية باستثناء الجدل حول قيمة الغرامات. ومن أبرز هذه النصوص:
-
تشديد العقوبات على الجرائم المرتبطة بالمحتوى الإباحي، أو التحريض على الفجور والدعارة، أو إغواء الغير، أو الأفعال المنافية للآداب العامة.
-
توسيع نطاق التجريم ليشمل صورًا جديدة من الجرائم الرقمية، بما يواكب التطور التكنولوجي المتسارع.
-
اعتبار بعض الظروف مشددة للعقوبة، خصوصًا في حال استهداف الأطفال، أو الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية، أو المصابين بأمراض نفسية، بما يعزز الحماية لهذه الفئات الضعيفة.
-
تجريم التعدي على الخصوصية الرقمية، عبر نشر أو تعديل أو معالجة محتوى شخصي (صور، فيديوهات، تسجيلات) دون إذن، بقصد التشهير أو الإساءة أو تحقيق منفعة، وهو ما يمثل سدًا لثغرة قانونية قائمة (المادة 20).
-
تجريم الابتزاز والتهديد الإلكتروني، باستخدام الوسائل الرقمية لإجبار الأشخاص على أفعال أو الامتناع عنها، أو لتحقيق منافع غير مشروعة (المادة 18).
-
تجريم جمع الأموال أو استثمارها دون ترخيص من خلال المنصات الرقمية (المادة 23).
ثانيًا: النصوص المثيرة للجدل والتحديات الحقوقية
رغم ما تضمنه القانون من جوانب إيجابية، إلا أن عددًا من المواد أثارت تحديات متعلقة بمدى وضوح القيود فيها على حرية التعبير، وأبرزها:
-
المادة 15: تتعلق بالذم والقدح والتحقير عبر الوسائل الإلكترونية.
-
المادة 16: تُعنى بخطاب الكراهية.
-
المادة 17: تتصل بنشر أخبار كاذبة أو مضللة.
-
المادة 25: تتعلق بالمسؤولية المفترضة على الناشرين والمنصات الرقمية.
وقد أُثيرت تساؤلات حول مدى توافق هذه المواد مع الدستور الأردني، وما إذا كانت القيود المفروضة فيها مبررة، ومحددة وواضحة كما تتطلب المعايير الدولية لحقوق الإنسان.