وجّه رئيس الوزراء، في كتابه إلى مجلس التعليم العالي، إلى وقف التأمين الصحي في القطاع الخاص، وعدم زيادة نسبة مكافأة الموازي عن ٤٠٪ مما يُخصَّص للهيئتين الإدارية والأكاديمية، وتعديل أنظمة المكافآت وصناديق الجامعات والمؤسسات البحثية فيها، مما يُشكّل استبعادًا لكافة مميزات العمل الأكاديمي في الأردن، وتجريدًا للعاملين فيه من حقوقهم التي تُعدّ حافزًا لمنتسبي الجامعات الرسمية، وبالتالي يُمثّل ذلك اعتداءً على حرية العمل الأكاديمي التي كفلها الدستور الأردني، ومساسًا بمبدأ المساواة، وصولًا إلى تهديد السِّلم الاجتماعي والاقتصادي اللذين كفلهما الدستور الأردني.
أول ما أبدأ به، أنني مدرك تمامًا أن رئيس الوزراء الأردني لم يتبنَّ هذا الاقتراح إلا بعد توصيات من عدة جهات، ولا أعتقد أنه استند فيه إلى اجتهاد شخصي، إذ إنني أؤمن بأنه يدرك تمامًا أن امتيازات الأستاذ الأكاديمي والإداري في الجامعات لا تكفي لقوت يومه ولا لتأمين الحد الأدنى من حياة كريمة له ولأسرته. فـ90٪ من أساتذة الجامعات، لولا فرصة التفرغ العلمي في الخارج، لأمضَوا أعمارهم دون بيت أو مأوى، ولولا تخصيص مقاعد لأبنائهم، لما تمكنوا من تعليمهم؛ ناهيك عن المضايقات الإدارية والأكاديمية، وغيرها من منغصات الحياة.
أستاذ الجامعة مضروب بحجر كبير: دفع مئات الآلاف ليدرس في جامعة مرموقة، وعانى الأمرّين ليجد وظيفة أكاديمية، ثم يُحرَم من التأمين الصحي، والمكافأة، والموازي. فهل المشكلة بالموازي؟
المشكلة المالية للجامعات، دولة الرئيس، ليست في المكافآت بل في تعطيل نوافذ الإيرادات، وتوسيع ترخيص الجامعات على حساب الأسس الأكاديمية والبحثية المنتجة، فضلًا عن ضعف الأنظمة المالية، وقرارات مجلس الوزراء التي قيدت صلاحيات الأستاذ الجامعي المتميز في استقطاب التمويل والأبحاث، ما يُعدّ ضربًا للاستثمار الحقيقي في التعليم.
تتجلى المشكلة كذلك في جمود نظام الابتعاث، وما يتخلله من عوائق إدارية وكفالات صارمة، جعلت من الابتعاث عائقًا لا أداة للتطوير. كما أن نظم الترقيات المعقدة، والتي تزداد تعقيدًا وتشدُّدًا يومًا بعد يوم، أفرغت حياة الأستاذ من محتواها، فصار يركض وراء الترقية سنوات، في حين تتآكل كرامته ومعنوياته.
مشكلات الجامعات تتفاقم بسبب تحميلها التزامات مؤسسات أخرى، كملف التأمين الصحي "الجسيم"، دون دعم مناسب من الدولة. كما أن الجامعة لم تعد تحظى بالاهتمام لدى المسؤولين إلا في مناسبات استعراضية، بعيدة عن جوهر الإبداع وتوجيه الطاقات.
أما عن أساليب تعيين رؤساء الجامعات، فحدّث ولا حرج؛ فكم من أستاذ جامعي مبدع عُطلت إمكاناته نتيجة معايير تُفصل على حساب الكفاءة والابتكار، لصالح العلاقات والنفوذ.
الحلول ليست صعبة:
-
تخصيص عوائد البحث العلمي التي يدفعها المواطن للجامعات، وتعديل نظام صندوق البحث العلمي لتوسيع قاعدة الدعم.
-
تعديل أنظمة الجامعات، بما يتيح اختيار رؤساء الجامعات من بين أعضاء الهيئات التدريسية والإدارية، وانتخاب مجالس العمداء والأقسام.
-
زيادة فرص الابتعاث بشروط مرنة، لسد الفجوة الواضحة بين الأجيال، وتجديد دماء الجامعات التي شاخت.
-
إلغاء الامتيازات غير المبررة التي يحصل عليها كبار المسؤولين، خاصة المتعلقة بالتأمين الصحي.
-
النهوض بالمحطات البحثية والعلمية في الجامعات وتطوير بنيتها.
-
قيام الحكومة بتسوية ديون الجامعات المترتبة على المؤسسات الحكومية والخاصة.
-
إعادة تأهيل مستشفيات الجامعات، باعتبارها أدوات استثمار معرفي وطبي حقيقية.
-
إقالة مجلس التعليم العالي، ورؤساء الجامعات غير الفاعلين، واللجان والمجالس التي فقدت فعاليتها وتقبلت توجيهات تمس بحقوق الهيئات الأكاديمية والإدارية.