محرر شؤون الجامعات
بينما ينتظر الوسط الأكاديمي أن تكون عملية اختيار رؤساء الجامعات الحكومية عنوانًا للنزاهة والشفافية وتكافؤ الفرص، رصدت مشاهد داخل أروقة إحدى الوزارات المعنية بالتعليم العالي تثير القلق، وتضع علامات استفهام كبيرة حول عدالة المنافسة.
فقد ظهر أحد المرشحين لرئاسة إحدى الجامعات الحكومية يتردد بشكل لافت على الوزارة، بحكم موقعه السابق فيها، وكأن أبوابها لا تزال مشرعة أمامه، بخلاف غيره من المرشحين. الأخطر من ذلك أنه استغل هذا الامتياز غير المبرر بالاطلاع على ملفات رسمية تخص منافسيه، ما يمنحه أفضلية غير متاحة لبقية المتقدمين.
وهنا يبرز السؤال: كيف يمكن الحديث عن منافسة نزيهة إذا كان أحد الأطراف يطّلع على أوراق الآخرين فيما يُحرم البقية من ذلك؟ وأي شفافية يمكن الركون إليها حين يُفتح الباب لشخص واحد بدعوى موقعه السابق، ويُغلق أمام الجميع؟
القضية لا تتعلق بمخالفة إدارية عابرة، بل تمس جوهر القيم التي يفترض أن تحكم مؤسسات التعليم العالي: النزاهة، العدالة، وتكافؤ الفرص. كما أنها تبعث برسالة خطيرة مفادها أن النفوذ السابق يمكن أن يتحول إلى وسيلة للتفوق على المنافسين بطرق غير مشروعة، لا بالكفاءة والجدارة.
إن ترك مثل هذه الممارسات دون محاسبة يضر بالعملية الأكاديمية بأكملها، ويهز ثقة المجتمع بالآليات المتبعة في اختيار القيادات الجامعية. فالمسألة لا تخص مرشحًا بعينه، بل تتعلق بمبدأ أساسي: هل ما زالت العدالة وتكافؤ الفرص مجرد شعارات للاستهلاك، أم أنها التزام حقيقي؟
المسؤولية اليوم تقع على عاتق الوزارة والحكومة لإعادة الاعتبار لأسس النزاهة، ولضمان أن تكون المنافسة على المناصب الأكاديمية الكبرى قائمة على الكفاءة والخبرة، لا على العلاقات والنفوذ.
إن ما جرى يجب أن يُقرأ كجرس إنذار مبكر، بأن مستقبل الجامعات الوطنية لا يبنى بالتحايل ولا بالاستفادة من مناصب سابقة، بل بالجدارة الحقيقية والقدرة على القيادة والإيمان بقيم الشفافية.