دخلت الانتهاكات الحوثية بحق العاملين الإنسانيين والمدنيين في اليمن مرحلة أشد خطورة، مع استمرار الجماعة في احتجاز نائب ممثل «منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)» في اليمن، لونا شكري (أردنية الجنسية)، منذ أسبوع كامل، ورفضها الوساطات كافة للإفراج عنها.
وكانت الجماعة المتحالفة مع إيران شنت موجة جديدة من الاعتقالات في صفوف الموظفين الأمميين، عقب مقتل رئيس حكومتها و9 من وزرائه في ضربة إسرائيلية يوم 28 أغسطس (آب) الماضي.
وإلى جانب المسؤولة الأممية لونا شكري، اعتقلت الجماعة الحوثية في الموجة الجديدة نحو 18 موظفاً محلياً لدى الوكالات الأممية، ليضافوا إلى العشرات من المعتقلين العاملين في مجال الإغاثة المحلية والدولية.
وتخشى مصادر ذات علاقة أن تؤدي الاعتقالات الحوثية إلى وقف أنشطة مكاتب الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية في تلك المناطق اليمنية الخاضعة للجماعة، التي يوجد بها أكثر من 12.5 مليون شخص بحاجة ماسة للمساعدات.
وكشف وزير الإعلام اليمني، معمر الإرياني، عن أن الجماعة الحوثية المدعومة من إيران تلوّح بمحاكمة المسؤولة الأممية بتهم «ملفقة»، في خرق فاضح للقانون الدولي واتفاقيات جنيف التي تضمن الحماية لموظفي الأمم المتحدة.
وأكد أن الجماعة تحتجز أيضاً 8 موظفين محليين من مكتب «يونيسف» في صنعاء، وتستجوبهم تحت التهديد، بعد أن صادرت جوازات سفر جميع موظفي المنظمة؛ بهدف فرض سيطرتها على العمل الإنساني وتحويله إلى أداة للابتزاز السياسي.
دعوة للانتقال إلى عدن الإرياني حمّل الحوثيين المسؤولية كاملة عن سلامة المختطفين، محذراً بأن استمرار هذه الممارسات يعرقل جهود الإغاثة الدولية ويزيد من معاناة ملايين اليمنيين الذين يعتمدون على المساعدات.
كما شدد على أن استمرار وجود مكاتب الأمم المتحدة في مناطق سيطرة الحوثيين بات يشكل خطراً جسيماً على سلامة الموظفين، داعياً وكالات المنظمة الدولية إلى إعادة تموضعها في العاصمة المؤقتة عدن حيث تتوافر بيئة أفضل أمناً.
وفي السياق ذاته، دعا الوزير منظمة العفو الدولية والمنظمات الحقوقية إلى رصد هذه الانتهاكات وتوثيقها، وحشد الجهود لإطلاق سراح المعتقلين فوراً. وطالب المجتمع الدولي بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة لمحاسبة قيادات الحوثيين، واتخاذ موقف أشد صرامة إزاء انتهاكاتهم المتصاعدة.
وكان المبعوث الأممي الخاص باليمن، هانس غروندبرغ، أكد أن الاعتقالات الحوثية، بالإضافة إلى اقتحام مقار الأمم المتحدة، ومصادرة ممتلكاتها... تُعرّض قدرةَ الأمم المتحدة على العمل في البلاد، وتقديمَ المساعدة الضرورية لشعبها، لخطر جسيم.
ونبّه إلى أن هذه الممارسات تضع جميع موظفي المنظمة الأممية وعملياتها في مواجهة مخاطر جسيمة، وشدد على الالتزام الأساسي باحترام وحماية سلامة موظفي الأمم المتحدة.
وعلى وقع الإدانات الأممية والدولية لاعتقالات الحوثيين الموظفين الأمميين، رد قادة الجماعة الحوثية بالاستنكار والرفض، زاعمين أنهم يلاحقون «خلايا تجسسية» شاركت في «جرائم»، ومنها «جريمة» استهداف رئيس حكومتهم ووزرائه الذين قتلوا في ضربة إسرائيلية.
جرائم ممنهجة وعلى صعيد متصل، نظّم فرع «اتحاد نساء تهامة» ندوة حقوقية في مأرب بمناسبة «اليوم الدولي لضحايا الإخفاء القسري»، سلطت الضوء على الجرائم الممنهجة التي تمارسها الجماعة الحوثية بحق المدنيين.
وأكدت الندوة أن أكثر من 190 شخصاً من أبناء محافظة الحديدة لا يزالون مُخفَين قسراً منذ سنوات داخل معتقلات الحوثيين، في ظل تعتيم مشدد يمنع أسر الضحايا من التواصل مع المنظمات الحقوقية أو الإعلان عن مصير ذويهم.
وشدد الحقوقيين المشاركون على أن الأرقام المعلنة «أقل بكثير من الواقع؛ بسبب الترهيب والممارسات القمعية التي تمارسها الجماعة الحوثية»، وأوصوا بـ«إنشاء قاعدة بيانات وطنية شاملة لتوثيق حالات الإخفاء القسري، بصفتها جريمة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، وفق القوانين الوطنية والمواثيق الدولية».
الندوة، التي شارك فيها حقوقيون ومنظمات مجتمع مدني، ناقشت أوراق عمل عدة، بينها «الأبعاد القانونية لجريمة الإخفاء القسري»، و«التحديات التي تواجه أسر الضحايا»، و«دور الإعلام في الكشف عن هذه الجرائم»، و«توسيع نطاق التضامن مع الضحايا وأسرهم».
كما أكدت التوصيات على «أهمية تعزيز التنسيق بين المنظمات الحقوقية والإعلامية لمناهضة هذه الجريمة، وفضح مرتكبيها، وإيصال أصوات الضحايا إلى المنابر الدولية».