عن الضربات الجوية الأردنية للسويداء... الصرايرة يكتب

عن الضربات الجوية الأردنية للسويداء... الصرايرة يكتب
حسين الصرايرة
أخبار البلد -  
لم تكن الضربات الجوية لسلاح الجو الملكي الأردني التي استهدفت مواقع في محافظة السويداء جنوب سوريا حدثاً يمكن إدراجه بسهولة ضمن السياق التقليدي للحرب على تنظيم «داعش»، ولا يمكن فهمها على النحو ذاته الذي تُفهم به عمليات التحالف الدولي أو الضربات الاستباقية ضد تنظيمات إرهابية ذات بنية عقائدية واضحة. فالسياق الذي جاءت فيه هذه الضربات، وطبيعة الأهداف التي تم تداولها إعلامياً، واللغة الحذرة التي رافقتها، تشير إلى مشهد أكثر تعقيداً، تتداخل فيه اعتبارات الأمن الحدودي، والجريمة المنظمة العابرة للدول، وهشاشة السيطرة المحلية، أكثر مما يتصل بمواجهة تنظيم إرهابي كلاسيكي.

السويداء، بوصفها محافظة جنوبية قريبة جغرافياً من الحدود الأردنية، عاشت خلال السنوات الماضية حالة خاصة داخل المشهد السوري العام. فهي ليست ساحة نفوذ مباشر لتنظيم «داعش» كما في البادية السورية، ولا تخضع بالكامل لمنطق السيطرة الأمنية الصلبة، بل تمثل فراغاً نسبياً في السلطة، استثمرته مجموعات محلية مسلحة، وشبكات تهريب، وبنى غير نظامية، بعضها نشأ على هامش الصراع السوري، وبعضها الآخر تطوّر بوصفه نشاطاً اقتصادياً غير مشروع في ظل غياب الدولة وضعف الرقابة.

المعلومات المتداولة حول الضربات الأخيرة تشير إلى أنها استهدفت مواقع تخزين أسلحة ومخدرات، ومستودعات تُستخدم كنقاط إسناد لعمليات تهريب منظمة، لا سيما في الريف الجنوبي والشرقي للسويداء. هذه المواقع، بحسب تقارير متعددة، ليست بالضرورة قواعد عسكرية أو معسكرات تدريب، بل بنى تحتية خفية: مستودعات تحت الأرض، مواقع مهجورة أعيد توظيفها، أو منشآت مدنية تم تحويلها إلى نقاط تخزين ونقل. هذا النمط من الأهداف يعكس طبيعة التهديد، ويكشف أن ما يجري في السويداء لا يتعلق بصراع أيديولوجي، بل بمنظومة اقتصاد أمني موازٍ، قوامها السلاح والمخدرات والتهريب.

الفرق الجوهري بين ضربات السويداء وضربات «داعش» يكمن هنا تحديداً. ففي الحالة الأولى، نحن أمام استهداف لشبكات غير رسمية، انفصالية، لا تحمل راية تنظيم عقائدي، ولا تعلن عداءً سياسياً مباشراً، لكنها تشكّل خطراً فعلياً على الأمن الإقليمي، خصوصاً على الأردن الذي يواجه منذ سنوات تصاعداً غير مسبوق في محاولات تهريب المخدرات والأسلحة عبر حدوده الشمالية. هذه الشبكات لا تعمل في فراغ، بل تستفيد من هشاشة المشهد المحلي، ومن تشابك المصالح بين مجموعات مسلحة، ومهربين، وأحياناً قوى أمر واقع محلية، ما يجعل التعامل معها عسكرياً مختلفاً عن مواجهة تنظيم مركزي مثل «داعش».

اللافت في الضربات الأخيرة هو طابعها المحدود والدقيق، سواء من حيث المواقع المستهدفة أو توقيتها. هذا يوحي بأن القرار لم يكن سياسياً دعائياً، بل أمني استخباراتي بحت، قائم على معلومات محددة حول تهديد مباشر أو وشيك. كما أن غياب البيانات التفصيلية، سواء من الجانب الأردني أو السوري، يعكس حساسية المشهد، ورغبة واضحة في إبقاء العمليات ضمن إطار «الضرورة الأمنية» لا التصعيد السياسي أو الإعلامي. هذا الصمت النسبي ليس فراغاً، بل رسالة بحد ذاته، تشير إلى أن ما جرى يُنظر إليه كإجراء استثنائي ومحدد، لا كتحول في قواعد الاشتباك.

السويداء، في هذا السياق، تتحول إلى مثال حي على تعقيدات ما بعد الحرب. فهي ليست ساحة مواجهة مفتوحة، لكنها أيضاً ليست منطقة مستقرة. التوترات الداخلية، وانتشار السلاح، وغياب سلطة مركزية قادرة على الضبط الكامل، جعلت منها بيئة ملائمة لنشوء شبكات تهريب عابرة للحدود، تتجاوز البعد المحلي لتصبح جزءاً من معادلة أمن إقليمي أوسع. ومن هنا، فإن الضربات لا يمكن فصلها عن استراتيجية أوسع لحماية الحدود، تقوم على نقل المواجهة من الداخل الوطني إلى نقاط الخطر قبل أن تعبر الحدود.

كما أن استهداف مواقع في السويداء يرسل رسالة أردنية مزدوجة؛ الرسالة الأولى موجهة إلى شبكات التهريب نفسها، مفادها أن العمق الجغرافي لم يعد ملاذاً آمناً، وأن النشاط غير المشروع، حتى وإن جرى بعيداً عن الحدود المباشرة، سيظل ضمن نطاق الرصد والاستهداف. أما الرسالة الثانية فهي سياسية–أمنية، تشير إلى أن ضبط الأمن الحدودي لم يعد ممكناً بالوسائل التقليدية وحدها، في ظل بيئة إقليمية مضطربة، وتراجع فعالية الأدوات الدبلوماسية والأمنية المشتركة.

في المحصلة، تبدو ضربات السويداء جزءاً من نمط جديد في إدارة التهديدات، لا يقوم على الحرب المفتوحة، ولا على الاكتفاء بالدفاع السلبي، بل على تدخلات محسوبة، دقيقة، ومحدودة، تهدف إلى تفكيك البنية التحتية للجريمة المنظمة قبل أن تتحول إلى تهديد مباشر. وهذا ما يجعل هذه الحالة مختلفة نوعياً عن ضربات «داعش»، وأكثر ارتباطاً بتحولات الأمن الإقليمي، حيث تختلط الجريمة بالإرهاب، وتذوب الحدود بين الأمن الداخلي والخارجي.

إن قراءة ما جرى في السويداء على هذا النحو، تفتح الباب لفهم أعمق لطبيعة التحديات المقبلة، ليس فقط للأردن، بل للمنطقة ككل، حيث لم يعد الخطر محصوراً في تنظيمات عابرة للحدود، بل في شبكات ظلّ، تعمل بصمت، وتستثمر الفوضى، وتفرض على الدول أن تعيد تعريف أدوات الردع، وحدود السيادة، ومعنى الأمن في زمن الانهيارات الطويلة.

من منظور سياساتي، تكشف حالة السويداء عن تحوّل مهم في طبيعة التهديدات الأمنية في المشرق، حيث لم يعد بالإمكان الفصل بوضوح بين الإرهاب، والجريمة المنظمة، والاقتصاديات غير المشروعة المرتبطة بالنزاعات. فالضربات التي استهدفت مستودعات أسلحة ومخدرات تشير إلى إدراك متزايد بأن شبكات التهريب لم تعد نشاطاً هامشياً، بل أصبحت فاعلاً أمنياً قادراً على زعزعة الاستقرار، وإعادة إنتاج العنف بطرق غير مباشرة، عبر تمويل جماعات مسلحة، أو تغذية اقتصاديات العنف المحلية.

في هذا السياق، تمثل السويداء نموذجاً لما يمكن تسميته بـ«المناطق الرمادية أمنياً»، وهي مناطق لا تخضع لسيطرة تنظيم إرهابي مركزي، ولا تتمتع في الوقت ذاته بقدرة دولة فعالة على الضبط، ما يجعلها بيئة مثالية لتلاقي المصالح بين فاعلين محليين، ومهربين، وشبكات عابرة للحدود. التعامل مع هذه المناطق يفرض على الدول المجاورة إعادة التفكير في أدوات الأمن التقليدية، والانتقال من منطق الردع الحدودي إلى منطق إدارة المخاطر في العمق الجغرافي القريب.

كما تطرح الضربات الجوية في السويداء تساؤلات جوهرية حول تطور مفهوم السيادة في البيئات الهشة. ففي غياب القدرة الفعلية للدولة على منع استخدام أراضيها كنقطة انطلاق لتهديدات عابرة للحدود، تتقدم مقاربات «الدفاع الوقائي» بوصفها خياراً عملياً، وإن كان إشكالياً من الناحية القانونية والسياسية. هذه المقاربة، التي تتجنب الإعلان السياسي الصريح، وتعتمد على عمليات محدودة ودقيقة، تعكس محاولة الموازنة بين احترام السيادة الشكلية، وضمان الأمن الوطني الفعلي.

ومن زاوية أوسع، يمكن قراءة ما جرى في السويداء كجزء من تحوّل إقليمي نحو معالجة التهديدات غير المتماثلة، حيث تتراجع أهمية الجبهات العسكرية التقليدية لصالح عمليات استخباراتية مركّبة، تستهدف البنية التحتية للتهديد أكثر من استهداف الفاعلين أنفسهم. هذا التحول يعكس دروساً مستفادة من تجارب سابقة أثبتت أن القضاء على الأفراد أو الجماعات دون تفكيك شبكات التمويل والإمداد لا يؤدي إلى استدامة الأمن.

بالنسبة لصناع القرار، تبرز حالة السويداء كتحذير مبكر من مخاطر ترك «الفراغات الأمنية» دون معالجة شاملة. فاستمرار هذه الفراغات لا يهدد الدول المجاورة فحسب، بل يعقّد أيضاً أي مسارات سياسية مستقبلية لإعادة الاستقرار، إذ تتحول شبكات التهريب مع الوقت إلى قوى أمر واقع، تمتلك نفوذاً اقتصادياً وأمنياً يصعب احتواؤه بالوسائل التقليدية.

أخيراً، تشير هذه الحالة إلى أن الاستجابة الفعالة لمثل هذه التهديدات تتطلب مقاربة متعددة المستويات، تجمع بين العمل الأمني الدقيق، والتعاون الاستخباراتي الإقليمي، ومعالجة الأسباب البنيوية التي تسمح بازدهار الاقتصاد غير المشروع. من دون ذلك، ستبقى الضربات الجوية، مهما بلغت دقتها، حلولاً مؤقتة في مواجهة ظاهرة مرشحة للتجدد بأشكال أكثر تعقيداً.

الأردن -كما قلنا- لا يريد سوى ثلاث وحدة واستقرار وسلامة الأراضي السورية الشقيقة، قبل وبعد سقوط النظام هناك، وعلى ذلك مجموعة من الضمانات، حينما يستشعر الجيش الأردني أن الخطر على حدوده يتصاعد، وأن رغبات الانفصال والتقسيم والانفلات تتصاعد وأياد صهيونية تلعب في الكواليس سيتدخل، ولن يوقفه شيء، فالأردن لن يسمح بتطويق إسرائيل له من الشمال، هذا خط أحمر وقيل صراحة، ويبدو أن دوي الطائرات جاء ليؤكد ذلك فعلاً.

شريط الأخبار الجمارك تعلن دوام كوادرها السبت الأمانة تعلن الطوارئ المتوسطة: لا تربطوا المزاريب على الصرف الصحي عن الضربات الجوية الأردنية للسويداء... الصرايرة يكتب خطة حكومية للبيوت المهجورة في عمان العجارمة لطلبة التوجيهي: أنتم أكبر من امتحان وأنبل من نتيجة التعمري لاعب الشهر في نادي رين الفرنسي الأمن: إصابة شخص في الطفيلة نتيجة استخدام (الشموسة) 33 ألف طالب وطالبة يتقدمون لأول امتحانات "تكميلية التوجيهي" السبت بالفيديو: مقتل مستوطنين وإصابة 6 في عملية دهس وطعن قرب العفولة الأردن يدين تفجير مسجد في حمص ويؤكد تضامنه الكامل مع سوريا غارات إسرائيلية عنيفة على جنوبي لبنان والبقاع انقطاع مياه الديسي 4 أيام عن عمان والزرقاء – إليكم المناطق المتأثرة الأرصاد تصدر تحليلاتها الاخيرة حول الثلوج في الأردن وكالة الأنباء السورية: 3 قتلى و5 مصابين في حصيلة أولية لانفجار حمص نصف مليار دينار قيمة صادرات الأردن للاتحاد الأوروبي خلال 10 أشهر للتذكير.. مناطق بعمان والزرقاء ستتأثر بانقطاع المياه الأسبوع المقبل - أسماء أسعار الذهب والفضة تسجل مستويات قياسية جديدة والد الصحفي وجدي النعيمات في ذمة الله ..موعد صلاة الجنازة والدفن استياء امريكي من "نتن ياهو" 500 مليون تواصل عبر منصات الاتحاد الرقمية خلال كأس العرب