قال الكاتب والمحلل السياسي عبد الباري عطوان، إن القيادتين السياسية والعسكرية في دولة الاحتلال باتتا تعتمدان بشكل متزايد على سياسة الاغتيالات، كخيار استراتيجي في إدارة الصراع مع الخصوم، مستندتين إلى قدرات استخبارية متقدمة على المستويين البشري والتقني، بهدف كسب الحرب نفسيًا وزعزعة ثقة العدو بنفسه.
وأوضح عطوان أن هذا التوجه جاء بعد تراجع فعالية الحروب الجوية التقليدية في تحقيق انتصارات حاسمة، كما كان الحال في حربي 1967 و1973، في ظل تصاعد دور حركات المقاومة كبديل للجيوش النظامية العربية، مشيرًا إلى أن حرب تموز 2006 شكلت محطة فاصلة في هذا التحول.
وأشار إلى أن سلسلة الاغتيالات التي استهدفت قيادات الصف الأول في حزب الله اللبناني مؤخرًا، تمثل تطبيقًا دمويًا لهذه العقيدة الجديدة، التي تسعى لتفكيك بنية القيادة لدى أعداء إسرائيل.
وجاء حديث عطوان على خلفية الاغتيالات التي نُفذت مؤخرًا داخل إيران، والتي طالت شخصيات بارزة من هيئة أركان الجيش الإيراني والحرس الثوري، بينهم رئيس جهاز الاستخبارات ونائبه، إضافة إلى نحو ستة علماء ذرة.
كما لفت إلى تهديدات علنية أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس باغتيال المرشد الأعلى الإيراني السيد علي خامنئي، في حين نقلت وكالة "رويترز" عن مصادر أمريكية أن الرئيس السابق دونالد ترامب كان قد أحبط خطة مشابهة خشية تصعيد المواجهة.
وفي السياق ذاته، اعتبر عطوان أن نتنياهو يحاول الهروب من فشله في قطاع غزة عبر تصدير الأزمة إلى إيران، وتشتيت الأنظار عن المجازر المرتكبة في القطاع، وإفشال مؤتمر أممي كانت باريس والرياض تعتزمان تنظيمه لدعم حل الدولتين.
وأضاف أن إيران، من جهتها، تمكنت من تنفيذ رد نوعي تمثل بإطلاق مئات الصواريخ الدقيقة التي وصلت إلى العمق الإسرائيلي، مدمرة مناطق جنوب تل أبيب ومعظم مدينة حيفا، وصولًا إلى مقار حساسة كمركز "أمان" الاستخباري ومقر الموساد، ما وصفه عطوان بـ"الإنجاز الاستخباري العظيم".
واعتبر أن هذه الضربات تشكل تحولًا غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، حيث لم تصل الصواريخ سابقًا إلى هذا العمق الجغرافي والتأثير العسكري والمادي، في ظل تعتيم إعلامي إسرائيلي محكم حول الخسائر.
وأكد عطوان أن خامنئي، الذي سبق أن نجا من عدة محاولات اغتيال، لا يخشى الموت، شأنه شأن حسن نصر الله وقاسم سليماني، الذين يمثلون نماذج للثبات والاستمرارية في مشروع المقاومة.
وفي ختام تحليله، حذر عطوان من أن إيران قد تكون هي المبادِرة إلى مفاجآت استخبارية قادمة، بعد نجاحها سابقًا في اختراق الأرشيف النووي الإسرائيلي، مضيفًا أن التاريخ الإسلامي يؤكد أن استشهاد القادة لا يعني نهاية المسيرة، بل بداية لمرحلة جديدة بقيادات أكثر حيوية وصلابة.