تعكس الاستقالات الجماعية المتكررة في الأحزاب الأردنية وجود خلل داخل المنظومة الحزبية في المملكة، رغم مضي أكثر من ثلاث سنوات على انطلاق مسار التحديث السياسي، الذي تراد منه تهيئة المجال لحكومات برلمانية.
وتواترت في الفترة الأخيرة الأنباء عن استقالات جماعية لقيادات وأعضاء في أحزاب أردنية، آخرها الحزب المدني الديمقراطي، حيث أعلن عدد من الأعضاء المنتخبين في المجلس المركزي للحزب استقالتهم من عضوية المجلس احتجاجا على ما وصفوه بـ”الانقلاب على الفكرة المؤسسة للحزب وتقويض مبدأ الديمقراطية الداخلية.”
وقال الأعضاء المستقيلون إنهم دخلوا المجلس مؤمنين بدوره كـ”قلب الحزب النابض، وضميره الحيّ، ومنبره الحرّ،” ضمن معادلة فصل السلطات داخل بنيته التأسيسية، لكنهم فوجئوا على حد تعبيرهم بتفريغه من صلاحياته وتحويله إلى "ظلّ باهت بلا روح،” وتغليب الخاصّ على العامّ، لا وظيفة له سوى المصادقة الشكلية على قرارات معدّة مسبقًا في غرف مغلقة تُدار بمنطق النفوذ والولاء الشخصي.
وأوضح المستقيلون أن تعديلات أُدخلت على النظام الأساسي للحزب من قبل قلّة، في "تغوّلٍ صريح على شرعية الهيئة العامة والقواعد الحزبية، ومصادرةٍ ممنهجة للقرار، وإقصاءٍ متعمد لآليات الرقابة والمساءلة،” معتبرين أن الديمقراطية في الحزب تحوّلت إلى "لافتة للتسويق لا ممارسة حقيقية،” وأن ثقافة السطوة حلّت محل العدالة والشراكة الواعية.
وتربط أوساط سياسية ما يجري داخل الأحزاب الأردنية بوجود عملية تفكيك وإعادة هيكلة تتمّ داخل عدد من الأحزاب، وما يخلفه ذلك من تحفظات لدى بعض القيادات الحزبية المتضررة من العملية التي تجري في الغالب وفق أسس غير ديمقراطية.
وتشير تلك الأوساط إلى أن حالة السيولة الجارية في الساحة الحزبية للمملكة ليست صحية، وهي تعكس أن التجربة الحزبية في البلاد لا تزال هشة ولم تنضج بعد، حيث تغلب عليها الحسابات الضيقة، الأمر الذي يلحق ضررا بالغا بعملية التحديث السياسي برمتها.
ويقول الدكتور علي النحلة الحياصات إن "الأحزاب في الأردن، خصوصًا تلك التي ترفع شعارات الديمقراطية والعدالة، فشلت في تحويل المبادئ إلى ممارسات داخلية،” لافتا إلى أن "الاستقالات من الحزب المدني الديمقراطي كشفت صراعًا حادًا داخل نخب الحزب على النفوذ، وأي نفوذ مع الأسف؟ على مواقع هلامية يقودها البحث عن دور في المجتمع من أي طاقة شباك وليس بابا!"
ويستدرك الحياصات في مقال بعنوان "أزمة النخب الحزبية” بأنه "ليس من الإنصاف أن نحمّل هذه الأحزاب مسؤولية إخفاقها بالكامل، دون الإشارة إلى العامل الحاسم الآخر، البيئة السياسية التي تشتغل بمنطق ‘ضبط الإيقاع’ أكثر من تمكين الفعل السياسي الحر.”
ويضيف "الدولة بمؤسساتها الصلبة والناعمة، ما تزال تتعامل مع العمل الحزبي باعتباره حقلًا تجريبيًا يجب أن يُدار وفق مقاسات دقيقة لا تخرج عن السيطرة، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية.”
وبحسب الحياصات "النتيجة؟ أحزاب تُراقب أكثر مما تُساند، ومناخ سياسي يفرز أحزابًا مروّضة أكثر من كونه يسمح بأحزاب مستقلة أو مؤثرة،” لكن الأخطر، في تقديره، ليس تدخل الدولة وحده، بل الثقافة العامة التي تستهلك الأحزاب كوسيلة من أجل الظهور المجتمعي بأي شكل من الأشكال، وبالتالي بات الناس لا يرون في الأحزاب وسيلة لتحسين شروط العيش، بل كائنات نخبوية مشغولة بذاتها، منفصلة عن واقعهم، ومتصارعة حول واجهات وهمية.
ويعتقد الحياصات أنه ليس من الواقعية الرهان الآن على اندماج حزبي شامل، لأن الشروط التأسيسية لم تنضج بعد، لكن ما يمكن فعله، ويجب فعله، هو بناء تنسيق انتخابي مرن وفعّال بين القوى المدنية والديمقراطية، تنسيق يقوم على القضايا الملموسة، لا على التحالفات الورقية.
ومنذ الانتخابات التشريعية الأخيرة نشطت عمليات الاندماج وبناء تكتلات حزبية، وتسارعت الوتيرة في الفترة الأخيرة، فيما بدا رغبة من الأحزاب في شغل الفراغ الذي خلفه حظر جماعة الإخوان المسلمين، وما يثار عن توجه لحل ذراعها السياسية حزب جبهة العمل الإسلامي.
ويرى متابعون للشأن الحزبي في البلد أن بناء تكتلات حزبية خطوة مهمة لاسيما بين القوى السياسية التي تشترك في نفس الرؤى والتوجهات لكن الإشكال في الأردن يبقى في مدى فاعلية تلك التحالفات، بالنظر لتجارب سابقة.
ويلفت المتابعون إلى أن التكتلات الموجودة على الساحة الأردنية تغيب عنها البرامج والرؤى الواضحة، وهو ما يقود في النهاية إلى فقدانها التأثير وعجزها عن فرض نفسها على المستوى الشعبي.
ويتهيأ حزب تقدم للاندماج مع حزب إرادة، بدعوة الهيئة العامة إلى مؤتمر غير عادي في السادس من سبتمبر القادم، لحسم الخطوة.
وقال رئيس المجلس المركزي فوزي الحموري إن القرار يعكس جدية الحزب في تطوير العمل الحزبي وتفعيله عبر إطار مؤسسي يواكب المرحلة المقبلة، مؤكداً أن الاندماج مع حزب إرادة سيسهم في توحيد الجهود وتقديم نموذج عمل حزبي قائم على البرامج ويخدم المصلحة الوطنية.
وأشار معتز جريسات، مفوض لجنة الاندماج بين الحزبين، إلى أن هذه الخطوة تمثل مرحلة تاريخية في العمل الحزبي، مؤكداً أن اللجنة عملت على ضمان توافق الرؤى والبرامج بين الحزبين بما يحقق الاستقرار المؤسسي ويعزز القدرة على العمل البرامجي، وأضاف أن الاندماج سيتيح مساحة أكبر للشباب والأفكار الجديدة للإسهام بفاعلية في تطوير المشهد السياسي الأردني.
وتشكل الحزبان مع انطلاق مسار التحديث السياسي، ويملكان حضورا مهما في مجلس النواب، وجرى منذ فترة التكهن باندماجهما معا، بالنظر للتقارب الفكري والأيديولوجي بينهما، ورغبة دوائر عليا داخل الدولة في تقليص حالة التشتت الحزبي، لكن نجاح خطوة الاندماج يبقى رهين إرادة قيادتي الطرفين، والاستفادة من أخطاء أحزاب سابقة.