في وداع الصحفي الذي سكن القلوب قبل السطور، جهاد أبو بيدر، تكشّفت ملامح الوفاء في أبهى صورها. لم يكن العزاء مجرد خيمة سوداء منصوبة على أطراف المدينة، بل كان ساحة تجمّع للقلوب التي التقت على الحزن والحب معًا.
تدفق الأوفياء كما تتدفق الينابيع نحو العطش، جاءوا يحملون في وجوههم حكايات كتبتها ذاكرة مشتركة مع الفقيد: مقالاته، مواقفه، ضحكاته، وحتى غضبه حين كان يغضب في سبيل الحق. كانوا كأشجار راسخة، ظلّت تحيط بجسده الغائب لتقول إن الغياب لا يلغي الحضور، وإن الموت لا يطفئ جذوة الأثر.
الأصدقاء، الزملاء، البسطاء، ورفاق المهنة، كلهم اصطفوا كخيوط قماش واحد نُسج من الوفاء. بعضهم جاء بصمته، وبعضهم جاء بكلماته، وآخرون جاءوا بدمعة تلمع كنجمة في عتمة العزاء.
كان المشهد أشبه بلوحة إنسانية، حيثُ الوفاء يقف شامخًا أمام الموت، يكتب على أبواب الذاكرة: إن جهاد لم يرحل، بل انتقل إلى ضفة أخرى، تاركًا وراءه قلوبًا تحفظ اسمه كما تحفظ الأم دعاءها الأخير.
وهكذا، لم يكن عزاء جهاد أبو بيدر مجرد مناسبة للفقد، بل كان درسًا في معنى الوفاء، وكيف تبقى القلوب أوفى من الأيام، وأصدق من العناوين.
رحم الله جهاد أبو بيدر، وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.
كتب: نادر حرب