بينما يقر رئيس الوزراء الخطط للسيطرة على مدينة غزة، ثمة أمور تحصل في هوامش الحرب وتشكل إشارات تحذير وتستوجب من الجيش الإسرائيلي ودولة إسرائيل إعادة التفكير.
ما جرى أول أمس في خان يونس بين المخربين الذين تسللوا إلى الاستحكام المحصن وبين قوات الجيش الإسرائيلي مثال على ذلك. حدث آخر يقع الآن، على مسافة نحو 2000 كيلومتر من هناك، في الخليج الفارسي: الإيرانيون بدأوا مناورة بحرية واسعة النطاق ستتواصل بضعة أيام.
المعركة بين مخربي حماس الذين خرجوا من فوهة نفق وبين مقاتلي لواء "كافير” الذين كانوا في الاستحكام المحصن كانت من زاوية نظر عسكرية إسرائيلية معركة دفاع صرفة. كان المقاتلون يجلسون في استحكام أعد ي مكان انطلاق إلى مبادرات هجومية في المنطقة المحيطة. الاستحكام موجود كجزء من رواق أمن "درع بأس”، ويفترض أن يشكل حزاماً أمنياً آخر يوقف المخربين من طريقهم من خان يونس إلى إسرائيل. وجود هذا الاستحكام، فيما مقاتلو "كافير” والدبابات في داخله، يفترض أن يكون أحد عناصر الأمن التي ستمنع هجوماً على نمط 7 أكتوبر على بلدات غلاف غزة.
لا حاجة للمبالغة في تقديرات خطر رجال حماس، الذين اجتاح 15 منهم الاستحكام من فوهة سبق للجيش أن عالجها قبل بضعة أشهر، لكن واضح أن المخربين أجروا استعدادات كما ينبغي في مبادرة هجومية. جمعوا المعلومات، وزرعوا عبوات في المناطق المجاورة للاستحكام في مسارات قدروا عبور التعزيزات منها. كما تزودوا بـ "عبوات تضحية”، أي، عبوات يحملونها في أيديهم ويلصقونها بأجسادهم بالدبابات أو المجنزرات. أجرى المخربون تخطيطاً دقيقاً ووزعوا قواتهم إلى ثلاثة جهود: قوة بعيدة تطلق النار على استحكامات أخرى وقوات مدرعات في المنطقة لتشويش عملها، وقوة أقرب تسلقت تلة الاستحكام الترابية وأطلقت النار نحو كل من يتحرك في الميدان، وقوة انقضاض تسللت إلى الاستحكام وتوجهت إلى المباني مقدرة وجود القوات فيها.
خرج المخربون من فوهة على مسافة 40 متراً من الاستحكام. هذه حقيقة مهمة؛ لأن 15 مخرباً يلبسون الأسود ظهروا في وضح النهار خارج الاستحكام. لو كانت هناك رقابة بسيطة، وكان يفترض أن تكون في استحكام هو في قلب أرض العدو، لكانوا كشفوهم. ليس نقطة رقابة واحدة، بل بضع نقاط رقابة كان يفترض أن تكون على التلة الترابية.
لكن يتبين هنا بأنه بدلاً من نصب نقاط رقابة – أي جندي يراقب المحيط القريب من الاستحكام، اعتمدت القوة على الكاميرات. المخربون عطلوا الكاميرا التي كانت متجهة نحوهم بإطلاق رصاصة عليها فعمتها. الباقي معروف. دخل المخربون إلى الاستحكام، ولو لم يعمل مقاتلو "كافير” ورجال كتيبة الدبابات 74 بسرعة وبحزم، لكانت النتيجة أسوأ. الخطير حقاً، أن القادة في الميدان لم يطبقوا الدروس التكتيكية الأكثر أساسية التي كان ينبغي استخلاصها من 7 أكتوبر. مرة أخرى، يعتمد الجيش على التكنولوجيا بدلاً من العين البشرية. ومرة أخرى، تبين لنا أن التكنولوجيا، التي يعد مديي رؤيتها وتغطيتها محدودين، لن تحل محل عين بشرية ترى تشتبه وتميز وتفحص.
فضلاً عن هذا، فإن استحكاماً يقع على محور "درع بأس” ليس استحكاماً لمكوث ليلة أو ليلتين، تمكث فيه القوات الموجودة في مناورة هجومية وتتحرك كل الوقت. الاستحكامات إياها، لم تكن تحتاج وسائل خاصة، لكنه استحكام يستوجب أن يكون بوسعه الدفاع عن نفسه بشكل أفضل.
بعيداً عن غزة، تجري الآن مناورة بحرية واسعة النطاق لسلاح البحرية والحرس الثوري الإيرانيين. هذه المناورة تجري في ذروة أزمة مياه وأزمة اقتصادية حادة في إيران، وفي الوقت الذي لم ينتعش فيه الإيرانيون بعد من صدمة حرب الـ 12 يوماً أو حملة "الأسد الصاعد” كما نسميها نحن. إن إجراء هذه المناورة، فيما طهران تلعق جراحها، يشهد على خوف الإيرانيين من شيء ما، ويطلقون تهديدات تردع من يخشون منه.
أشرطة الدعاية التي ينشرونها كما يزعمون من المناورة، لأنواع الصواريخ التي يستخدمونها والأهداف البحرية التي يضربونها، تشهد في واقع الأمر عن مصدر التخوف. تظهر في أحد الأشرطة طائرة لسلاح الجو الإيراني وهي تعترض طائرة معادية وتضربها بصاروخ جو جو. كان الشريط معداً على عجل وبانعدام مهنية سخيفة، لكننا نفهم بأن الإيرانيين يحاولون أن يقولوا لنا وللأمريكيين بأنه رغم إصابة معظم منظومات دفاعهم الجوي في حملة "الأسد الصاعد”، فإنهم لا يزالوا قادرين على الدفاع عن أنفسهم بما تبقى لهم من سلاح الجو.
لكن الأساس هو استخدام صواريخ جوالة شاطئ – بحر، وبحر – بحر، يوثقها الإيرانيون وهي تصيب، وكيف لا، بأهداف عرضت عليها وتجعلها كتلة من النار. هذا التهديد جدير بالاهتمام؛ لأن الصواريخ تظهر في نهاية الشريط الدعائي لعدة ثوانٍ نحو سفينة تجارية كبرى، مليئة بالحاويات. يمكن التقدير بمستوى دقة على ما يكفي من الارتفاع، وبناء على تصريحات كبار رجالات الحكم في طهران أيضاً بأن الإيرانيين يخشون من أن توشك إسرائيل على مهاجمتهم أو مهاجمة وكلائهم في اليمن في ظل استغلال ضعفهم في الدفاع الجوي، بالصواريخ الباليستية. ولهذا يتجهون إلى التهديد بالمجال الذي لم يصابوا فيه، أي البحري.
يكاد يكون واضحاً أن الإيرانيين لا يعرفون ما هي نوايا إسرائيل، لكنهم يقدرون بأنها قد تهاجمهم كي تستغل الثقوب الكبرى التي فتحت في دفاعهم في "حرب الـ 12 يوماً”. ويحاولون الآن شراء صواريخ دفاع جوي واعتراضية من روسيا والصين وكوريا الشمالية، لكن لا أحد يبيعهم حتى الآن. وطهران باتت خائبة الأمل من موسكو. ولما كانوا يخشون من أننا وربما الأمريكيين أيضاً سنعمل ضدهم، فإنهم يهددون الملاحة المدنية العالمية التي تنقل البضاعة من آسيا إلى أوروبا وإفريقيا وباقي أرجاء العالم.
لا حاجة للاستخفاف بهذه الإشارة. مجرد المخاوف الإيرانية قد يؤدي إلى سوء تقدير من جانبهم، وربما ينفذون تهديداتهم سواء في المجال البحري أم من خلال ما تبقى لهم من صواريخ باليستية.